الأحد، 28 يونيو 2015

قصيدة انا السبب للشاعر احمد مطر

أنا السببْ..

في كل ما جرى لكم..
يا أيها العربْ..
سلبتُكم أنهارَكم..
والتينَ والزيتونَ والعنبْ..
أنا الذي اغتصبتُ أرضَكم..
وعِرضَكم، وكلَّ غالٍ عندكم..
أنا الذي طردتُكم..
من هضْبة الجولان والجليلِ والنقبْ..

والقدسُ في ضياعها،..
كنتُ أنا السببْ..

نعم أنا.. أنا السببْ..

أنا الذي لمَّا أتيتُ؛ المسجدُ الأقصى ذهبْ..

أنا الذي أمرتُ جيشي في الحروب كلها..
بالانسحاب فانسحبْ..

أنا الذي هزمتُكم..
أنا الذي شردتُكم..
وبعتكم في السوق مثل عيدان القصبْ..

أنا الذي كنتُ أقول للذي..
يفتح منكم فمَهُ:..

(Shut up)..
 **

*
نعم أنا.. أنا السببْ...
في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ...
وكلُّ من قال لكم غير الذي أقولهُ..

فقد كَذبْ..

فمَن لأرضكم سلبْ؟..

ومن لمالكم نَهبْ؟..

ومن سوايَ مثلما اغتصبتكم قد اغتَصبْ؟..

أقولها..
صريحةً..
بكل ما أوتيتُ من وقاحةٍ وجرأةٍ..
وقلةٍ في الذوق والأدبْ:..
أنا الذي أخذتُ منكم كل ما هبَّ ودبْ..
ولا أخاف أحدًا..
ألستُ رغم أنفكم..
أنا الزعيمُ المنتخَبْ؟!..

لم ينتخبني أحدٌ، لكنني..
إذا طلبتُ منكم..
في ذات يوم طلبًا..
هل يستطيعٌ واحدٌ منكم..
 أن يرفض لي الطلبْ؟..

أشنقهُ..
أقتلهُ..

أجعلهُ يغوص في دمائه حتى الرُّكبْ..

فلتقبلوني، هكذا كما أنا..

أو فاشربوا من..

"بحر العرب"..

ما دام لم يعجبْكم العجبْ..
ولا الصيامُ في رجبْ..

فلتغضبوا إذا استطعتم..
بعدما قتلتُ في نفوسكم روحَ التحدي والغضبْ..

وبعدما شجَّعتكم على الفسوق والمجون والطربْ..

وبعدما أقنعتكم..
أن المظاهراتِ فوضى ليس إلا وشَغَبْ..

وبعدما علََّمتكم أن السكوتَ من ذهبْ..
وبعدما حوَّلتُكم إلى جليدٍ وحديدٍ وخشبْ..

وبعدما أرهقتُكم..
وبعدما أتعبتُكم..
حتى قضى عليكمُ الإرهاقُ والتعبْ..
 ***

يا من غدوتم في يديَّ كالدُّمى وكاللعبْ..

نعم أنا.. أنا السببْ..

في كل ما جرى لكم..
فلتشتموني في الفضائياتِ..
إن أردتم والخطبْ..

وادعوا عليَّ في صلاتكم ورددوا:..

"تبت يداهُ مثلما تبت يدا أبي لهبْ"..

قولوا بأني خائنٌ لكم..
وكلبٌ وابن كلبْ..

ماذا يضيرني أنا؟!..
ما دام كل واحدٍ في بيتهِ..

يريد أن يسقطني بصوتهِ..

وبالضجيج والصَخب..

أنا هنا، ما زلتُ أحمل الألقاب كلها..
وأحملُ الرتبْ...
أُطِلُّ كالثعبان من جحري عليكم، فإذا..
ما غاب رأسي لحظةً ظلَّ الذَنَبْ!..

هل عرفتم؛ من أنا؟؟؟..
 أنا رئيس دولةٍ من دول العرب..

                                ...أحمد مطر

قصيدة تقدموا للشاعر سميح القاسم

تقدموا ..
تقدموا ..
كل سماء فوقكم جهنم ..
وكل ارض تحتكم جهنم ..
تقدموا ..
يموت منا الطفل والشيخ ..
ولا يستسلم ..
وتسقط الام على ابنائها القتلى ..
ولا تستسلم ..
تقدموا ..
تقدموا ..
بناقلات جندكم ..
وراجمات حقدكم ..
وهددوا ..
وشردوا ..
ويتموا ..
وهدموا ..
لن تكسروا  اعماقنا ..
لن تهزموا اشواقنا ..
نحن القضاء المبرم ..
تقدموا ..
تقدموا ..
طريقكم ورائكم ..
وغدكم ورائكم ..
وبحركم ورائكم ..
وبركم ورائكم ..
ولم يزل امامنا ..
طريقنا ..
وغدنا ..
وبرنا ..
وبحرنا ..
وخيرنا ..
وشرنا ..
فما اللذي يدفعكم ..
من جثة لجثة ..
وكيف يستدرجكم ..
من لوثة للوثة ..
سفر الجنون المبهم ..
تقدمو ..
وراء كل حجر ..
كف ..
وخلف كل عشبة ..
حتف ..
وبعد كل جثة ..
فخ جميل محكم ..
وان نجت ساق ..
يظل ساعدومعصم ..
تقدموا ..
كل سماء فوقكم جهنم ..
وكل ارض تحتكم جهنم ..
تقدوا ..
تقدموا ..
حرامكم محلل ..
حلالكم محرم ..
تقدموا بشهوة القتل التي تقتلكم ..
وصوبوا بدقة لا ترحموا ..
وسددوا للرحم .. 
ان نطفة من دمنا تضطرم ..
تقدموا كيف اشتهيتم ..
واقتلوا ..
قاتلكم مبرأ ..
قتيلنا متهم ..
ولم يزل رب الجنود قائما وساهرا ..
ولم يزل قاضي القضاة المجرم ..
تقدموا ..
تقدموا ..
لا تفتحوا مدرسة ..
لاتغلقوا سجنا ..
ولاتعتذروا ..
لا تحذروا ..
لاتفهموا ..
اولكم ..
آخركم ..
مؤمنكم ..
كافركم ..
ودائكم مستحكم ..
فاسترسلوا واستبسلوا ..
واندفعوا وارتفعوا ..
واصطدموا وارتطموا ..

لاخر الشوق اللذي ظل لكم ..
واخر الحبل اللذي ظل لكم ..
فكل شوق وله نهاية ..
وكل حبل وله نهاية ..
وشمسنا بداية البداية ..
لا تسمعوا ..
لا تفهموا ..
تقدموا ..
كل سماء فوقكم جهنم ..
وكل ارض تحتكم جهنم ..
تقدموا ..
تقدموا ..
لا خوذة الجندي ..
لا هراوة الشرطي ..
لا غازكم المسيل للدموع ..
غزة تبكينا ..
لانها فينا ..
ضراوةالغائبفي حنينه الدامي للرجوع ..
تقدموا ..
من شارع لشارع ..
من منزل لمنزل ..
من جثة لجثة ..
تقدموا ..
يصيح كل حجرمغتصب ..
تصرخ كل ساحة من غضب ..
يضج كل عصب ..
الموت لا الركوع ..
موت ولا ركوع ..
تقدموا ..
تقدموا ..
ها هو قد تقدم المخيم ..
تقدم الجريح ..
والذبيح ..
والثاكل ..
والميتم ..
تقدمت حجارة المنازل ..
تقدمت بكارة السنابل ..
تقدم الرضع ..
والعجز ..
والارامل ..
تقدمت ابواب جنين ونابلس ..
اتت نوافذ القدس ..
صلاة الشمس ..
والبخور والتوابل ..
تقدمت تقاتل ..
تقدمت تقاتل ..
لا تسمعوا ..
لا تفهموا ..
تقدموا ..
تقدموا ..
كل سماء فوقكم جهنم ..
وكل ارض تحتكم جهنم ..
 
                            ...سميح القاسم 

قصيدة خطاب الضجر للشاعر محمود درويش


ألا تشعرون ببعض الضجر! ..
فمن سنة لم أجد خبرا واحدًا عن بلادى ..
أما من خبر؟ ..
نغير تقويمنا السنوى . . وننقش أقوالنا فى ..
الرخام ..
وندفنها فى الصحاري ليطلع منها المطر ..
على ما أشاء من الكائنات ..
وأحمل عاصمتى فوق سيارة الجيب ، ..
كى أتحاشى المطر.. وما من خبر؟ ..
وأكتب فى العام عشرين سطرا بلا خطأ ..
نحوى، وتعرف يا شعب أني رسول المقدر .. 
وألغي الزراعة ، ألغي الفكاهة ، ألغي ..
الصحافة ..
ألغى الخبر .وما من خبر؟ ..
وامنع عنكم عصير الشعير ..
وأختصر الناس .. أسجن ثلثًا ..
وأطرد كثا ..
وأبقى من الثلث حاشية للسمر ..
وما بقى من خبر؟! ..
وأطبع وجهى .. من أجلكم .فوق وجه القمر ..
لكي تحلموا كما أتمنى لكم .. تصبحون على ..
وما من خبر؟! ..
لأن الشعير طعام حميرٍ .. وأنتم أرانب ..
قلبى ..
كلوا ما تشاؤون من بصل أخضر أو جزر ..
وما من خبر؟ ..
وأمرض أو أتمارض ، أخلو إلى الذات  ..
أو أتفاوض سرًا مع المعجزات ..
وأحرم نفسى من الكاميرا والصور .. 
وما من خبر؟  ..
أوحد ما لا يوجد ، أحرس إيوان كسرى .. 
وأدعو إلى وحدة المسلمين على سيف قيصر .. 
أرشو ملوك الطوانف ،أمحو شرائع سومر ..
أمنح أفريقيا صوتها .وأعيد النظر .. 
بتاريخ فكر البشر ..
وما من خبر؟ ..
وأغلق كل المسارح .. لا مسرح فى البلد ..
ولاسينما فى البلد ..
ولا مرقص فى البلد ..
ولا بلد فى البلد ..
ولا نغمٌ آو وتر ..
وما بن تبرأ ..
ضجر! ..
ضجر!  ..
وحيدًا أنا أيها الشعب ، شعبي العزيز ..
ولكن قلبي عليك وقلبك من فلز أو حجر ..
أضحى لأجلك ، يا شعب ، إني سجينك منذ .. 
الصغر ..
ومنذ صباي المبكر أخطب فيكم ..
وأحكمكم واحدا واحدا ..
وفى كل يوم أعد لكم مؤتمر ..
فمن منكم يستطيع الجلوس ثلاثين ..
عاما على مقعد واحد ..
دو أن يتخشب ؟ من منكم يستطيع ..
السهر .. 
ثلاثين عاما ..
ليمنع شعبا من المذكريات وحب السفر؟ .. 
وحيد أنا أيها الشعب ..لا أستطيع الذهاب ..
إلى البحر ..
والمشي فوق الرصيف ..
ولا النوم تحت الشجر ..
ثقيل هو الحكم ..لا تحسدوا حاكما ..
أي صدر تحمل ما يتحمل صدري من ..
الأوسمة ؟  ..
وأي فتى منكم يستطيع الوقوف ..
ثلاثين عاما على حافة الجمجمة ..
وأي يد دفعت طما دفعت يدنا من خطر؟ ..
ضجـر ! ..
ضجـر ! ..
يخيل لي أيها الشعب ، يا صاحبى ..
أن حقي على الله أكبر من واجبي .. 
ولكنني لا أريد معارك أكبر منكم ، كفانا ..
الضجر، ..
جرادا يحط على الوقت ، يمتص خضرة ..
أيامنا ..
ويفتر وقت الرمال رمالا من الوقت ..
نمشى على الرمل .. لا أثر .. لا أثر ..
ومن واجبى أيها الشعب أن أتسلى ..
قليلا ، فمن يعيد إلى ساحة الموت ..
أمجادها؟ ..
اخطئوا .. اخطئوا .. واسرقوا وافسقوا ..
لأقطع كفا وأجدع أنفا وأدخل سيفا بنهد ..
نهد ..
وأجعل هذا الهوا ،إبر ..
وأنسى همومي في الحكم ، أنسى التشابه ..
وبين الملوك القدامى وأنسى العبر .. 
أما من فتى غاضب فى البلد! ..
أما من أحد؟ ..
تقاعس عن خدمتي أو بكى أو جحد: ..
أما من أحد .. شكا أو كفر ! ..
أما من أحد شكا أو كفر؟ ..
أما من خبر  ..
ضجر! ..
وحديٌ أنا أيها الشعب ، أعمل وحدي ..
ووحدي أسن القوانين ..
وحدي أحول مجرى النـهر  ..
أفكر وحدي أقرر وحدي.. فما من وزارة ..
تساعدني في إدارة أسراركم ..
ليسر لي نائب لشئون الكناية والاستعارة ..
ولا مستشار لفلك طلاسم أحلامكم عندما ..
تحلمون ..
ولا نائب لاختيار ثيابى وتصفيف شعرى ..
ورفع الصور ..
ولا مستشار لرصد الديون ..
. فوالله .. والله .. والله لا علم لى ..
بمالى عليكم ومالى عليكم حلال حلال .. 
كلوا ما أعد لكم من ثمر ..
وناموا كما أتمنى لكم أن تناموا ومودين ..
بعد صلاة العشاء .. 
وقوموا من النوم حين ينادى المنادى ..
بأنى رأيت السحر .. 
وسيروا إلى يومكم آمنين .. ووفق نظام ..
كتابي ..
ولا تسألوا عن خطابي ..
سأمنحكم عطلة للنظر ..
بما يسر الله لى من خطاب الضجر ..
ضجر! ..
ضجر! ..
سلام علي ، سلام عليكم  ..
سلام على أمة لا تمل الضجر! .. 
                                             
                                         ... محمود درويش

السبت، 27 يونيو 2015

السبت، 20 يونيو 2015

‘لا تصالح‘ قصيدة للشاعر: أمل دنقل


لا تصالحْ! ..
..ولو منحوك الذهب ..
أترى حين أفقأ عينيك ..
ثم أثبت جوهرتين مكانهما .. 
هل ترى ..؟ .. 
هي أشياء لا تشترى : ..
ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك ..
حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ .. 
هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ ..
الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما .. 
وكأنكما ..
ما تزالان طفلين! ..
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما: ..
أنَّ سيفانِ سيفَكَ ..
صوتانِ صوتَكَ ..
أنك إن متَّ: ..
للبيت ربٌّ ..
وللطفل أبْ ..
هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟ ..
أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء .. 
تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟ ..
إنها الحربُ! ..
قد تثقل القلبَ .. 
لكن خلفك عار العرب ..
لا تصالحْ .. 
ولا تتوخَّ الهرب! ..

لا تصالح على الدم.. حتى بدم! ..
لا تصالح! ولو قيل رأس برأسٍ ..
أكلُّ الرؤوس سواءٌ؟ ..
أقلب الغريب كقلب أخيك؟! ..
أعيناه عينا أخيك؟! ..
وهل تتساوى يدٌ.. سيفها كان لك ..
بيدٍ سيفها أثْكَلك؟ ..
سيقولون: ..
جئناك كي تحقن الدم ..
جئناك. كن -يا أمير- الحكم ..
سيقولون: ..
ها نحن أبناء عم .. 
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك ..
واغرس السيفَ في جبهة الصحراء ..
إلى أن يجيب العدم ..
إنني كنت لك ..
فارسًا، ..
وأخًا، ..
وأبًا، ..
ومَلِك! ..
لا تصالح  .. 
ولو حرمتك الرقاد ..
صرخاتُ الندامة ..
وتذكَّر ..
(إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد ولأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة) ..
أن بنتَ أخيك "اليمامة" ..
زهرةٌ تتسربل -في سنوات الصبا- ..
بثياب الحداد ..
كنتُ، إن عدتُ: ..
تعدو على دَرَجِ القصر، ..
تمسك ساقيَّ عند نزولي .. 
فأرفعها -وهي ضاحكةٌ- ..
فوق ظهر الجواد ..
ها هي الآن.. صامتةٌ  ..
حرمتها يدُ الغدر:
من كلمات أبيها، ..
ارتداءِ الثياب الجديدةِ
من أن يكون لها -ذات يوم- أخٌ! ..
من أبٍ يتبسَّم في عرسها .. 
وتعود إليه إذا الزوجُ أغضبها .. 
وإذا زارها.. يتسابق أحفادُه نحو أحضانه، ..
لينالوا الهدايا ..
ويلهوا بلحيته (وهو مستسلمٌ) ..
ويشدُّوا العمامة .. 
لا تصالح! .. 
فما ذنب تلك اليمامة
لترى العشَّ محترقًا.. فجأةً، ..
وهي تجلس فوق الرماد؟! ..

لا تصالح ..
ولو توَّجوك بتاج الإمارة ..
كيف تخطو على جثة ابن أبيكَ .. ؟
وكيف تصير المليكَ .. 
على أوجهِ البهجة المستعارة؟ .. 
كيف تنظر في يد من صافحوك .. 
فلا تبصر الدم ..
في كل كف؟ .. 
إن سهمًا أتاني من الخلف ..
سوف يجيئك من ألف خلف .. 
فالدم -الآن- صار وسامًا وشارة .. 
لا تصالح، ..
ولو توَّجوك بتاج الإمارة ..
إن عرشَك: سيفٌ .. 
وسيفك: زيفٌ .. 
إذا لم تزنْ -بذؤابته- لحظاتِ الشرف .. 
واستطبت- الترف .. 

لا تصالح ..
ولو قال من مال عند الصدامْ .. 
".. ما بنا طاقة لامتشاق الحسام .." 
عندما يملأ الحق قلبك: .. 
تندلع النار إن تتنفَّسْ .. 
ولسانُ الخيانة يخرس .. 
لا تصالح ..
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام  ..  
كيف تستنشق الرئتان النسيم المدنَّس؟ .. 
كيف تنظر في عيني امرأة .. 
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها؟ .. 
كيف تصبح فارسها في الغرام؟ .. 
كيف ترجو غدًا.. لوليد ينام .. 
-كيف تحلم أو تتغنى بمستقبلٍ لغلام ..
وهو يكبر -بين يديك- بقلب مُنكَّس؟ .. 
لا تصالح .. 
ولا تقتسم مع من قتلوك الطعام .. 
وارْوِ قلبك بالدم .. 
واروِ التراب المقدَّس ..
واروِ أسلافَكَ الراقدين .. 
إلى أن تردَّ عليك العظام ! .. 

لا تصالح .. 
ولو ناشدتك القبيلة .. 
باسم حزن "الجليلة" .. 
أن تسوق الدهاءَ .. 
وتُبدي -لمن قصدوك- القبول .. 

سيقولون : ..
ها أنت تطلب ثأرًا يطول .. 
فخذ -الآن- ما تستطيع: ..
قليلاً من الحق .. 
في هذه السنوات القليلة .. 
إنه ليس ثأرك وحدك، .. 
لكنه ثأر جيلٍ فجيل .. 
وغدًا .. 
سوف يولد من يلبس الدرع كاملةً، .. 
يوقد النار شاملةً، .. 
يطلب الثأرَ، ..
يستولد الحقَّ، .. 
من أَضْلُع المستحيل .. 
لا تصالح .. 
ولو قيل إن التصالح حيلة .. 
إنه الثأرُ ..
تبهتُ شعلته في الضلوع .. 
إذا ما توالت عليها الفصول ..
ثم تبقى يد العار مرسومة (بأصابعها الخمس) ..
فوق الجباهِ الذليلة! ..

لا تصالحْ، ولو حذَّرتْك النجوم .. 
ورمى لك كهَّانُها بالنبأ .. 
كنت أغفر لو أنني متُّ .. 
ما بين خيط الصواب وخيط الخطأ. .. 
لم أكن غازيًا، .. 
لم أكن أتسلل قرب مضاربهم .. 
لم أمد يدًا لثمار الكروم .. 

أرض بستانِهم لم أطأ .. 
لم يصح قاتلي بي: "انتبه"! ..
كان يمشي معي .. 
ثم صافحني .. 
ثم سار قليلاً .. 
ولكنه في الغصون اختبأ! ..
فجأةً: ..
ثقبتني قشعريرة بين ضلعين .. 
واهتزَّ قلبي -كفقاعة- وانفثأ! .. 
وتحاملتُ، حتى احتملت على ساعديَّ .. 
فرأيتُ: ابن عمي الزنيم .. 
واقفًا يتشفَّى بوجه لئيم .. 
لم يكن في يدي حربةٌ ..
أو سلاح قديم، .. 
لم يكن غير غيظي الذي يتشكَّى الظمأ .. 

لا تصالحُ ..
إلى أن يعود الوجود لدورته الدائرة: .. 
النجوم.. لميقاتها .. 
والطيور.. لأصواتها ..
والرمال.. لذراتها .. 
والقتيل لطفلته الناظرة .. 
كل شيء تحطم في لحظة عابرة: ..
الصبا - بهجةُ الأهل - صوتُ الحصان - التعرفُ بالضيف - ..
همهمةُ القلب حين يرى برعماً في الحديقة يذوي - ..
الصلاةُ لكي ينزل المطر الموسميُّ - مراوغة القلب حين يرى طائر الموتِ .. 
وهو يرفرف فوق المبارزة الكاسرة .. 
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة ..
والذي اغتالني: ليس ربًا ..
ليقتلني بمشيئته ..
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته .. 
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة  ..

لا تصالحْ ..
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ .. 
(في شرف القلب) .. 
لا تُنتقَصْ .. 
والذي اغتالني مَحضُ لصْ .. 
سرق الأرض من بين عينيَّ .. 
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة! ..

لا تصالح .. 
ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ ..
والرجال التي ملأتها الشروخ  .. 
هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم .. 
وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ ..
لا تصالح .. 
فليس سوى أن تريد ..
أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد .. 
وسواك.. المسوخ! ..

لا تصالحْ .. 
لا تصالحْ ..

قصيدة غرناطة لنزار قباني


في مدخل الحمراء كان لقاؤنا .. ما أطـيب اللقـيا بلا ميعاد ..
عينان سوداوان في حجريهما .. تتوالـد الأبعاد مـن أبعـاد .. 
هل أنت إسبانية ؟ ساءلـتها .. قالت: وفي غـرناطة ميلادي .. 
غرناطة؟ وصحت قرون سبعة .. في تينـك العينين.. بعد رقاد .. 
وأمـية راياتـها مرفوعـة .. وجيـادها موصـولة بجيـاد .. 
ما أغرب التاريخ كيف أعادني .. لحفيـدة سـمراء من أحفادي .. 
وجه دمشـقي رأيت خـلاله .. أجفان بلقيس وجيـد سعـاد .. 
ورأيت منـزلنا القديم وحجرة .. كانـت بها أمي تمد وسـادي .. 
واليـاسمينة رصعـت بنجومها .. والبركـة الذهبيـة الإنشـاد .. 
ودمشق، أين تكون؟ قلت ترينها .. في شعـرك المنساب ..نهر سواد .. 
في وجهك العربي، في الثغر الذي .. ما زال مختـزناً شمـوس بلادي .. 
في طيب "جنات العريف" ومائها .. في الفل، في الريحـان، في الكباد .. 
سارت معي.. والشعر يلهث خلفها .. كسنابـل تركـت بغيـر حصاد ..
يتألـق القـرط الطـويل بجيدها .. مثـل الشموع بليلـة الميـلاد .. 
ومـشيت مثل الطفل خلف دليلتي .. وورائي التاريـخ كـوم رمـاد ..
الزخـرفات.. أكاد أسمع نبـضها .. والزركشات على السقوف تنادي ..
قالت: هنا "الحمراء" زهو جدودنا .. فاقـرأ على جـدرانها أمجـادي .. 
أمجادها؟ ومسحت جرحاً نـازفاً .. ومسحت جرحاً ثانيـاً بفـؤادي .. 
يا ليت وارثتي الجمـيلة أدركـت .. أن الـذين عـنتـهم أجـدادي .. 
عانـقت فيهـا عنـدما ودعتها .. رجلاً يسمـى "طـارق بن زياد"

زمن العز

عزيزي القارء ربما تتفاجأ إن علمت أن العرب عرفو الجامعات قبل أن يعرفها الغرب بقرنين من الزمن وبالضبط في العام 830 م. وقد كان لهذه الجامعات نظام داخلي فكان للطالب زي خاص به كما للأستاذ زي خاص وكانت تصرف للطالب منحة دراسية وكان التعليم بالمجان ولجميع الطبقات دون إستثناء.  وكان يتوفر للطلاب أيضا سكنا جامعيا وكانت هذه الجامعات تستقطب الطلاب من شتى بقاع العالم كما تستقطب الاساتذة والعلماء وكانت العقول حينها تهاجر صوب العالم العربي وكانت المكتبات العامة المزودة بأحدث الإصدارات تفتح أبوابها للجميع.
واهتمت الدولة يومها بصحة الفرد فكانت المستشفيات قد بنيت قبل ذلك بثمانين عام وكانت الخدمة فيها مجانية وكانت تستقبل المرضى وأسرهم وتقدم لهم العلاج والغذاء والمساعدة وتوفر لهم البيئة المناسبة للإستشفاء فكانت تتزين بالحدائق والنوافير وكانت تتسم بالإتساع والفخامة والجمال وكانت مزودة بحمامات وصيدليات وكانت تلحق بها قاعات للمحاضرات والدروس كما كانت تشمل مكتبات طبية ضخمة.
وبحلول القرن العاشر كان في قرطبة وحدها 700 مسجد و70 مكتبة، شملت أكبرها 600000 كتاب وكان يتم نشر ما مجموعه 60000 دراسة وقصيدة ومؤلفة كل سنة. وكان في مكتبة القاهرة مليونين كتاب. وفي مكتبة طرابلس في لبنان أكثر من 3 ملايين كتاب. كما أن الأعمال التي الفها العرب في تلك الفترة تزيد عن تلك التي ألفها الغرب بلغاته اللاتينية واليونانية مجتمعتين...فحقا إنه زمن العز.